بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 15 مايو 2010

حلمٌ تكشّف عن ألم (مقال)

أعرضتْ عني بعد أن كانت مواصلة، وبَعُدتْ وكانت قبل قريبة ، تُبدي المودّة ،
وتُظهر المحبّة ، ولها من جمالها شافعٌ يجعلني أشعر بسعادة القرْب وطيب
اللقاء ،توالـت الأيام وتعـاقـبـتْ ، إن غـاب صـوتـهـا أرسـلـتْ رسـائـلـهـا ،  
وإن أسعـفـتْ الـظّروف قـابـلْـتها ، الـحـديث معـها ثقافة ، وجـدالها متعة ،
حماسها متّقد ، واطّلاعها مميز ، أسلوبها عذب ، وطرحها متناغم ، تعـبّر
ببراعة ، وتصوّر باقتدار ، معناها رقـيق ، ولفـظها أنيق ، تخـتار أدواتها
 اللفظية بعـناية ، وتؤلّفها بدراية ، تمزجها بعـمـق ثقافـتها وسعة اطلاعـها،
لها طلّة عذبة ، وإطلالة جميلة ، وابتسامة خلاّبة ، وحضور فاتن ، لباسها
محـتشم ، ومظهـرها جـميل محـترم ،تخـطر في إباء ليس فيه خـضوعٌ بل
إستعـلاء ، إستعـلاءٌ عن الـزّلق ، وإباء عن الـدّبق ،تعالي الحُرّة ،وإغضاء
 الحيية .. قـابلـتها مرة تسير مع أبويها ، أردتُ أن أُسرع إليها مسلِّمآ وبها
محتفيآ ، ولكني لمحتُ إعراضها فتسمّرت ، وتساءلتُ بيني وبين نفسي لم
أعـرضتْ وقابلتْ فرحـتي بإعْـراض ؟ وماعـرفـتُها جافـيةً ولانافرة ، ولم
أعْرَضَتْ بعد أن كانت مواصلة ؟ وماالذي أجبرها على مصاحبة والديها
فأصبح وجودها مرتبطٌ بوجودهما ؟ ولو شاءت لكان لها وجودٌ خاصٌ بها،
رحتُ أمعن الفكر وأقلّبُ الرأي حتى بَعُدتْ أشخاصهم ، أتراني وقد مِلْتُ
إليها قد وثقـتْ من حـبالها وتيقّـنتْ من جمالها ، وتأكّـدتْ من قـوّة تأثيرها
فأصبحتُ لها مرهونآ وبالتعلّق بها مجنونا ،وهي تأنسُ أن تكون رُغْــبَـةٌ ،
وتستأنسُ أنها طُـلْـبـة ، لـتستـوثق من وفـاء الرجل رغـم يـقـيـنـها أنه وفـاءٌ
مشكوك ، ألهذا أعرضتْ وآلمتني بإعراضها ؟ طال وقوفي حتى أحرجتني
نظرات المارة ، فـعـاودتُ ممْشاي ورجعـتُ إلى منزلي ومكـثتُ في حـيرة
لـبضع ساعات ، ثم هـاتفْـتها فـجاءني صوتها مرحآ ضاحكآ أنساني قـلـقـي
وتساؤلي ، حـسـبي الـسّعـادة بما أحـسّه من رباطٍ يـشُـدّني لها ، وإذا أحـس
 الإنسان بارتباطه فاعـلم أنه مسيّرٌ لامخـيّر ، وأن إرادَته تلاشتْ حتى ينال
ماينال ، فإذا نال وتشبّع بدأتْ عُـقد الرباط تنفكّ واحدة بعد واحدة  وعُـراها
تُحلّ ، حتى إذا لم يبق للعُـقَد موضع بدأت طبيعة الرجل التوّاقة إلى رحـيق
جـديد ،عندما وصلت إلى هـذه القناعة ، أحسستُ أن العُـقَـدْ انحلَّتْ ، وأني
أنطلق في حريةِ من كان محبوسآ لزمنٍ طويل ، فـقـفـزتُ فَـرِحآ ، ولكـنها
كانت قـفـزة غـير محـمودة ، انطلـقـتْ معها آهـتي من ألـمٍ أصاب ظهـري
 ومـؤخّـرة رأسي ، هَـرَعَـتْ إلي زوجـتي ، سـلاماتْ سـلاماتْ ، وتبيّنتُ
ساعتئذٍ أني كنتُ أحلم ، وأني سقطتُ من فوق السّرير ..


نُشرتْ في مجلة اليمامة  15 مايو 2010