بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 17 نوفمبر 2007

قراءة في كتاب عبدالرحمن بن أحمد السديري (مقال)

أتيح لي أن أطّلع على كتاب (عبدالرحمن بن أحمد السديري.. أمير منطقة الجوف) الذي شارك في تأليفه مجموعة من الباحثين العارفين المتخصّصين، والكتاب يجمع بين السيرة الذاتية وواقع المجتمع، ولمحات عن تاريخ أسرة عريقة، فضلاً عما يحويه من تجسيد للقيم الرفيعة من صدق ووفاء وبذل وإخلاص وتواضع ومحبة للناس ، وحرص على تنمية جزءٍ غال من الوطن ، وتطوير مفاهيم المجتمع دون المساس بالثوابت.
ومن سوء حظي أني لم ألتق معالي الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رغم أني في التسعينات من القرن الهجري المنصرم تجوّلت في كثير من مدن الشمال من المملكة، وكم تمنّيتُ لو تشرّفتُ بزيارة معاليه وحظيتُ بلقائه وسعدتُ بالجلوس إليه.
وأوّل ما شد انتباهي في هذا الكتاب القيّم حرص معالي الأمير على مجالسة الرجال والاستماع إليهم وتبادل الأحاديث معهم ومسامرتهم ، وهو في ذلك يحظى بالأخبار من مظانها، ويتعرف على حاجات الناس واحتياجاتهم فيما يساعده على توفيرها لهم، أو على أضعف الإيمان السعي فيها ، والوجه النافع ما يسمعه  يغبّ في قلبه  ويختمر في صدره ، فإذا أعمل فكره تلاحقتْ الأفكار مع الرأي السديد  فكانت النتيجة أفضل نتيجة وثمراتها أكرم ثمرة ، وقديماً قالوا مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها.
ويتداخل حرصه - رحمه الله - على مجالسة الرجال مع نزعته الطبيعية على الكرم. وجبلّته بالجود، فهو من أسرة جُبلت على حفاوتها بالضيف، واشتهرت بالكرم، عبّأها الله لكل جسيم ، ورباها لكل عظيم - وأقرب شاهد في ذلك ما عرف عن جدّه (سليمان) الذي التزم بحماية كل من كان على مرأى من الجبل المطل على الغاط وهو خشم العرنية.
(دار عليها واضحات المواريد       **      ماهي عطا.. ورثتها عن جدودي)
(من شافها يامن عن الغدر والكيد  **     حموا حماها عن حسود وحقودي)
(أعلامها بحبالها والتواكيد           **     خشوم العراني ثبّتنْ الحدودِ)
ومظهر كرمه تجلَّى في دكّته التي بناها في جانب السوق ولم يجعل لها باباً ، ليستطيع الضيف وطارق الليل أن يؤمَّها، ويجد فيها ما يودّه ، وهي كما وصفت: (مفتوحة البيبان قدم المسايير) فلا يتردّد الطارق في دخولها ،وهذا ليس بغريب على من سُمِّيَ (بعشير ضيفه) وهو لقب اشتهر به رحمه الله عند كل الناس لحرصه على محبة ومجالسة ضيوفه ومؤانستهم بحديثه وبشاشته المشهودة المعهودة، وحسن استقباله لهم والترحيب بهم، وسجل واقع دكّته بقوله رحمه الله :
(ولي دكّةً ما صار من دونها باب        **      بنيّتها في جانب السوق راده)
(أبي إلى جا هاشل الليل ما هاب         **      يلقى بها مما يوده مراده
 (ويلقى بها من خيرة الربع شبّاب      **      قرمٍ يحض الضيف رغبه وعاده)
هذه صورة مختصرة جداً عن كرمه وبرّه ، فما لقيت فيما كتب عنه أنه استفرد بطعام أو استأثر بإكرام ، بل كانت نفسه كريمة  معطاءة، تأبى أن يغمزها مغمز أو يثلبها مثلب، وهو كسالفيه معطاءٌ  لا يبخل وكريم محب للضيوف ، وقاه الله من شح النفس فكان خلقه السخاء وطبيعته الكرم ، فاستحق بجداره ما قيل عنه (عشير الضيف، عشير المناعير) وتلك عادة الكرماء وسجية الأباة  . وكانت تجارته -رحمه الله- صحبة الأخيار، وهي مظهر اجتماعي ألّف به القلوب ، قلوباً أجمعت على محبته، واجتمعت على مودّته، هيّأها بلطفه وحدبه عليهم ومحبته لهم.
(أرّثت بالجوف غرس ودار       **      ولا تشبثت بتجاره)
(تجارتي صحبة الأخيار            **هذا هوى القلب وشعاره)
ونشأت بينه وبين مجتمع الجوف علاقة متينة قوامها رعايته لهم ، وثمرتها محبتهم له، فاستخرج مكنون محبته ببرِّ الإنسان (أي إنسان) وحماه الله عن سكر السلطان، وطغيان السلطة وإفراط التعظيم ، فاستحكم تجربته، وبعدت بصيرته  ، حتى عرف مصلحة إنسان الجوف بصلاح الفاسد (إن وجد فاسد)  ، وإقامه المعوج (إن ظهر المعوج) ،  وعمارة كل ما يحتاج لعمارة ، فاكتسب تقدير مجتمعه ، واعتبر بينهم نسيج وحده لجودة رأيه ، وبعد همته ، ونبل شيمه ، فانقاد له المجتمع الجوفي في محبة لا إذعانا، ومودة لا خضوعاً ، وما استوجب ذلك منهم إلاّ بعد أن عرفوا لبه، وتبين لهم عطفه وحدبه، ولم يستكرهوا منه بادرة تسيء إلى مصالحهم ، واجتهاده المستمر لمستقبلهم، ولم يكن له مطمع فيما بين أيديهم ، فاكتسب محبتهم ونال ثقتهم  ومودتهم ، والناسةعيون الله في الأرض ، لا يمحضون المحبة إلاّ لمن يستحقها، يقول فيه الشاعر خلف العواجي مجسّداً عواطف مجتمع الجوف:،
(الكل يحمل لك التقدير        **      شيّابنا هم والاولادي)
(حيثك بحالاتنا بصير         **      ومن شان مصلوحنا تفادي)
(لكل ظرف معك تدبير        **      ابنً حليمٍ وبولادي)
وبعد ماذا أقول عن شهم نهض بالمسؤولية والخدمة العامة أميراً لمنطقة الجوف وهو في الرابعة والعشرين من عمره ؟ ، ولم يسْتَـعْـفِ -رحمه الله- إلاّ وقد تجاوز السبعين، ولو لم تدركه أعراض الأمراض لما تخلَّى واسْتَـعْـفَـى.
إن استكناه شخصية الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري -يرحمه الله- متعة الباحث عن عشير الضيف، ولكنها في الوقت نفسه مضنية ، لتعدد الجوانب التي سوف يتطرق إليها، هل يتناول كرمه؟ وفي ذلك يطول الحديث، أيكتب عن مروءته ؟ وله في ذلك أوسع مجال ،  والاستطراد في تطلعاته ونظراته المستقبلية وطموحاته لخدمة المنطقة التي أحبها وأحبته ،  وفي ذلك تكثر الصحائف، أيستعرض حبه للزراعة وشغفه بعمتنا النخلة ؟ هل يعدد إنجازاته ومنجزاته ؟ وفي ذلك يستملح الحديث ، أو عن أناته وسعة صدره وحكمته وبعد نظره ؟ لاشك أنها مهمة صعبة عن رجل نذر نفسه لخدمة الوطن وإسعاد المواطن تلبية لرغبة القيادة التي أحسنت اختياره، فاستحق الثناء، لأنه كان آية من آيات علو النفس، وحسن الخلق وطيب المعشر حتى مع أتباعه ، وتلك لعمري ميزة حببته إلى كل من عرفه وعاشره.. وقد ختم الله له بالسعادة فأسعده بأبناء وبنات برره، تحلّوا بشيمه فارتفعوا في عيون الناس ، وحرصوا -كما أراد وابتغى والدهم- على العلم فاخذوه بأحسنه، وإنك لتجلس إلى أحدهم فتلقى من ثمار الفكر والمعرفة ما يغني ويبهج، اللهم أكثر حسادهم ، فإذا علقتهم الأمجاد هان عليهم الحساد، ولعمري لم يمت من خلف رجالاً وَوَرّث خصالاً تُـذكر فـتُـشكر..
رحمك الله أبا فيصل وسلام عليكم ما رفَّ طائر وتنفّس مخلوق.
نشرت في جريدة الجزيرة الاحد 8/11/1428 هـ

الأحد، 15 يوليو 2007

عُكاظيًّة

بدت بعد وأد طال أمجادها دهرا 
ومن سجف النسيان فأمتلأت بشرا
ووشوشها في سمعها عزمُ ماجدٍ
      يعطر بالابداعِ ساحاتِها فِكرا
ويرسمُ فيها من بديعِ خيالهِ
 دراريَّ لا تخبو واخيلةً غُرا
فجاءت تهادى في حياءٍ وعفةٍ
وأحرى بها ذاتَ العفافِ بها أحرى 
عكاظيةٌ تجلو شتيتاً معطراً 
    وتختالُ في قروى وتخطُر في شُبرا
أعاد لها شبلُ الموحِّدِ ذكرها
     وفك رِتاجَ الجهلِ عن أثرٍ يقرا
وارسلَ من يجلو خفيَّ مكانها
        ويستنبئٌ الآكامَ والسهلَ والصَّخرا
أتتك عكاظٌ تجتبي منك نظرةً
     فهيّئ لها الإبداعَ ياسيِّدي بِكرا
أحطها بما تصبو إليه فقد مضى
                   عليها زمانٌ تلعق الصاب والمرٌا
وترنو لسلطان الذي ذاعَ صيتهُ
         ومن مثلهُ يرعى ومن مثلهُ يُطرى
حكيمٌ حفيٌّ أريحيٌ مسدَدٌ
         فكان لها غيثاً وكان لها بحرا
فلمّا رعاها أخصبت جنباتُها
           وعمّ فتيت المسك أرجاءَها عِطرا
وجاء إليها الفيصليُّ مشمِّراً
          بإنجازه فكراً وإبداعهِ شعرا
أديبٌ أريبٌ ألمعيٌّ مثقفٌ
            فأكرمه من والٍ وأكرم به ذُخرا
أزاح غُبارَ الدهرِ عنها بهمةٍ
           بُعيد احتجابٍ غال إبداعَها قَسرا
ويُرجع مسراها ثقافةَ أمةٍ
            وإبداعَ شعبٍ من تبوكَ إلى يعرا
فأشرق نورُ الفكرِ في جنباتها
                    وردَّدَتِ الأرجاء ساحاتِها ذِكرا
هلمي عكاظَ الخيرِ فجرُك مشرقٌ
             ووجهُك وضَّاءٌ فتيهي به فخرا
أعيدي لنا تاريخَ أمةَ يعربٍ
   بأمجادها شعراً تخلّد أو نثرا
أقيمي مناراً للثقافةِ ساطعاً
   وضميهِ حتى يستطيبَ له المسرى
لها من مليكِ العُربِ تصميمُ مصلحٍ
           بأن يبلغ الإبداعُ منزلةَ الشعرى
ويصبح فيها للثفافةِ مشعلٌ
           وبالفكر والابداعِ تغدو لنا بدرا
فيا خادمَ البيتِ الذي شعَّ نورهُ
                وأنزلَ فيه اللهُ آياتهِ الكبرى
أضاءَ لها مشكاتَها فغدت بها
       تميسُ على هندٍ وتغبطها عفرا
وقلدها بالزّاهرات عشيّةً
     وعاج وأعطاها الجواهر والدُرّا
فسار اليها النابهون تحثُّهم
  أمانيُّهم من قلب نجد ومن بُصرى
فهذا يحاكي النابغيَّ بلاغةً
       وآخرُ يبدو في شجاعتهِ عمرا
سقتكِ الغوادي ياعكاظُ عشيّةً
ومن صيّبٍ ينثالُ بالبِشرِ والبُشرى




السبت، 16 يونيو 2007

إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت(مقال)



تهتم اللغة العربية بمخارج الحروف عند النطق لتميّز بين حرف وآخر ، حتى لا يقع لبس في ادراك المعنى وفهمه ، والتراث العربي تراث سمعي يعتمد على الأذن في تمييز معاني الكلمات ، خصوصاً تلك التي تختلف معانيها باختلاف نطقها.
ومن المعروف ان العالم الّلغوي ( قُـطْـرُبْ) ألّف ثلاثيته المشهورة في اختلاف معنى الكلمة الواحدة عند نطقها  ضمآ أو فتحآ أو كسرآ ، فمثلاً كلمة ( الجنة ) إذا فتحت الجيم فهي دار النعيم بالآخرة، وإن ضُمّت الجيم كان معناها السُّترة أي ما يُستَتَر به، والعرب تقول : أجْـنَـنْـتُ الشيء في الصدر أي سترته أما إذا كُسر  حرف الجيم فمدلول الكلمة
< الجِن > والله عز وجل يقول في سورة الناس (( من الجِنة والناس )).
قلت ما قلت تدليلاً على اختلاف المعاني باختلاف حركة الحرف، فكيف إذا كان التغيير في مخارج الحروف. لقد استمرأنا مع الأسف التغيير نتيجة للتّلقين الأعمى فالثاء أصبحت (( س )) وبعضهم ينطقها (( ت ))
وحرف ال (( ظ )) أصبح (( ز ))
وحرف ال (( ذ )) أصبح (( ز ))
حتى حرف ال (( ض )) دخله عند النطق اعوجاج فيقال [ الظابط ] ويقصدون به [ الضابط ] كل ذلك استحداث وافد قلّده البعض ظناً أنه من مقوّمات التحضّر، وهو اعتياد سيىء يجب أن نجابهه  ، وأن نعوّد انفسنا على تقويم مخارج  حروفنا العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
يُروَى أن أحد علماء اللغة كان لا يرى بأساً في نطق حرف الصاد سيناً لتشابه مخرج الحرفين، فجوبه برأيٍ معارضٍ دلّل على فساد ذلك فقيل له كيف تقرأ الآية الكريمة؟: ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ...) الآية فخجل صاحب ذلك الرأي وتراجع عن رأيه.
إن التعوّد على حفظ اللسان وتقويمه في إخراج الحروف من مخارجها الطبيعية مهم وضروري، ومن الخطأ أن نُحرّف كلمة ( ثبت ) إلى ( سبت ) وكلمة ( كثير) إلى ( كسير) وكلمة ( ثري) إلى (سري) فالفرق شاسع في المعنى بين هذه وتلك ولغتنا الجميلة لا تحتاج إلى هذا التبديل المشوّه الذي يُخرج كلماتها من معانيها الأصلية إلى معان لا نريدها ، بل أن بعض هذا التحريف لا يليق ذكره... ولقد سبقني في الإشارة إليه معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله في خاطرةٍ من خواطره.
ولئن عتبتُ فإنما أعتب على جريدة عكاظ التي ترجمت اسمها بالأحرف اللاتينية ( okaz) وكان الأولى أن تكون (okad) فذلك أقرب مخرجاً من حرف< z >.
إن من واجب المدارس تعويد الطلبة على النطق السليم وتقويم مخارج الحروف عند نطق الطلبة ، وأن تحرص على تصحيح ذلك وتلقينهم وتعويدهم على التمسّك بلغتنا لأنها هويتنا.
وأحسب أنه من المهم والضروري أن يحرص الآباء والأمهات على نشْئهم فيقوّمون ألسنتهم وهم صغار قبل أن تستعصي عليهم وهم كبار ويصدق فينا قول الشاعر :
إن الغصون إذا عدّلتها اعتدلت    **     ولا تلين إذا كانت من الخشب  .
جريدة المدينة
السبت  8 -6-1428 هـ

الأربعاء، 13 يونيو 2007

وِداعِــيّـة


  خِــلْــتُ أنّـي يـوم ودّعْــتـُـكِ
  ودّعْــــتُ حَــــيــاتــــي
  وهَــــنــاءاتــي
  وأحْــلامَ شَــبــابــي .
  صــوّحَ الــزّهْــرُ وجَــفّــتْ
  فــي حُــقــولِــي
  نـَـبـْـتَــةُ الــشّــوقِ
  وأطْــيـافُ الــرِّغــابِ .
 غــارَ نَــبْــعٌ ريِّــقٌ كــانَ
 يـُعـاطِـيـنـي ويَـسْـقِـيـنـي
 بِـشَـهْـدٍ مـن رِضـابِ .
 وصُـروحُ الـحـبِّ يـا مَـحْـبـوبَـتـي
 أضْــحَــتْ خَــرابــآ
 ويَـبـابـآ فـي يَـبـابِ .
 خَــيـَّـم الــيَــأسُ عــلـى نَــفْــســي
 وذاب الـــنُّـــورُ
  في رَهْــجٍ "1" مَـلـيـئٍ بِـالـتُّـرابِ .
 لــم تَــعُــدْ دُنْــيــاكِ
 تـُغـْرِيـنـي بِـعَـيْـشٍ
 بـَعْـدَ أنْ أُتْـرِعْــتُ
 مـن مُـرٍّ وصَـابِ . "2"
 عِــفْــتُـهــا دُنْـيـا
 وأزْمَـعْـتُ رَحِـيـلآ
 وتـَـهَــيّــأتُ
 وهَـيّـأتُ رِكـابـي .

----------------------------------------------------------------------------
الهامش : -1- رهْج :الرهْجُ والرهَجُ أي الغبار.  لسان العرب مادة رهج .
           -2- صاب : الصاب شجر مر له عصارة بيضاء بالغة المرارة
                          واحدته صابة .  لسان العرب  مادة  صوب .

نشرت بجريدة الوطن في 28/ 5 / 1428

الأحد، 3 يونيو 2007

كُلٌ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ (مقال)

أصلحك الله يا أبا نزار، كأنّي بكَ يوم شاهدتُك عن بُعدٍ تقتعدُ كرسيَّكَ عُصَيْر يوم قائظٍ بالثمانينيات من القرن الفارط، بقهوة كاظم بطريق المدينَة في جدّة (عروس البحر الأحمر)، عندما كان طريقُ المدينة مُتنزهاً للمُتنزهين، ومقصدًا للمُنتجعِين، ولعلّك تذكرُ يا أبا نزار أنَّ الملك فيصل -رحمه الله- كان يسلُك ذلك الطريقَ قُبيلَ مغربِ كلَّ يوم اذا كان في جدّة، ويجلس مع قليل من مُرافقيه في شمال جدّة في موقع من شارع فلسطين الآن ، وبُعيدَ صلاة المغرب يعود أدراجَه ، كان ذلك قبل أن تمتدّ مدينةُ جدّة بانبعاج شمالاً وشرقاً لم تحفّه العناية ، ولم يحفل به التَّنظيم. كنتَ أبا نزار تجلسُ -كدأبك- وحيداً إلَّا من أفكارك ، مُنفرداً إلَّا من نجواك، وأحسبُكَ -والله حسيبك- كنت في مناجاةٍ مع ادارة الأرقام وتدوير الأموال ، وهي رحلة عمرك وأثيرة قلبك . ثم رأيتُكَ بعدها مرّات ومرّات أنيقاً كعادتك، مُعتمراً غترتك ، رغم تعوّد النّاس في تلك المدينة الساحلية الرّطبة على التحرّر من غطاءِ الرأس، تقف غير بعيد منك سيارتُك الفورد البيضاء (تلقّ) على قول اخواننا في نجد ، لا أكتمك أبا نزار أنّ الرّغبة ساورتني آنذاك أكثر من مرّة في الهجوم على وحدتك ، والتطّفل على أفكارك ، وكأنّما عوّقتْني بادرةُ احترامٍ لخلوتك التي هربتَ بها من تجمُّع المنتفعِين وتزاحم اهل المصالح، اللذين لا شكّ يُغريهم علوّ منصبك،  وسموّ وظيفتك ، إذ كنتَ آنذاك في وظيفة مرموقة ومنصب رفيع بمؤسسة ماليّة ، والمالُ يُسعى له في كل زمان . 
عفاك الله أبا نزار تسألني الآن .. لَِما لَمْ ابتدرك بالسّلام ، وأقطع حبل افكارك بمبادرة الكلام ؟ والحديث بُغية ، وهو اول القرى ، غفر الله لك تسألني بعد ان شاب منك الفَوْدُ ، واكتهل العٓارضُ ، وتجلّل الرأسُ بالثلجٍ ، لقد خشيتُ يا صاحبي ان تحشرني في زمرة المنتفعِين وعصبة المتطلّعين . سبحان الله أبا نزار شرّقتَ وغرّبتَ في رحلاتك مع عَصَبِ الحياة ، كنتَ موظّفاً مرموقاً، وانتقلتَ لتَكون رئيس مجلس ادارة لبنكٍ مهم، ثم بنيتَ في الخليج صرحاً مالياً ، أبقيتَ به عملاً صالحاً، وذكرى عطرة وألقيتَ عصا ترحالك في مجلس الشورى، ثم لم تلبثْ أن عُدتَ إلى جدّة مدينتك التي عشقتَ ، ومنتجعك الذي احببتَ ، ولم يتوقف بك المسيرُ مادام (عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السُّرى) ، فأنت الآن تجدُّ وتجتهدُ في بناءِ شركة لإدارة الأموال ، وما كان المالُ لك بُغْيةً ، ولكنّك تتطلّع لحسن إدارته، وتنميته عُدّةً للوطن، وسعادةً وبحبوحةً للمواطن. 
رعاك الله أبا نزار، لعلّك تذكرُ قُبيلَ سنوات عندما هاتفتُك ، وإذا أنت في نيويورك ، وقلتَ : إنك بعد دقائق على موعد عشاء مع كوفي عنان ، وأجبتُك : أبعدتَ الشُّقَّةَ يا صاحبي ، عجيب امرُك، فكثيرٌ من الناس يهرعون لرؤية (أنا نيكول) و(باريس هيلتون) وأضرابهما ، وأنت تخطف جنبات الأرض ، وتضرب أكباد الطائرات للقاء امين عام الأمم المتحدة(آنذاك) ، فكان ردُّك: ( كُلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، نعم، هذا نهجُك ، نهجُ محمد أحمد عبداللطيف، الرجل الذي عشق إدارة المال ، فكان مبرّزاً في عمله، ومميّزاً بإخلاصه ، ومتميّزاً بأخلاقه ، وعَلَماً مَالياً مرموقاً . وَفَّقَه الله وأعَانَهُ .
جريدة المدينة
الاثنين ١٨ / ٥ / ١٤٢٨ هـ 

الاثنين، 7 مايو 2007

سرابٍ بقيعه

قالو عظيم الشان راعي الفهامه 
العالم النّابه امام الشّريعة
الواعظ اللّي ساحرٍ في كلامه
 يزيّن الفاظه بآيٍ بديعه
والفقه بالغ ذروةٍ في سنامه 
  يفتي وهم الشيخ سد الذريعة 
يستقطب الشبّان هذا مرامه 
    يختار من هو مؤمنٍ بالقطيعة
وجنّد اللّي ما يميّز حرامه
 وخطّط لهم خطّة مريعه وشنيعه
ودلَّى لهم سمتٍ وشكل وعلامه 
 والحقد يسري بالظلام وهجيعه 
و حنّا من الغفله نعيش بسلامه
    ما كنّنا الّا في حصونٍ منيعه 
أكبادنا تمشي بدرب النّدامه
و حنّا نقرطع ما جرى من نجيعه
والنّار تسري في ظلام و قتامه 
      وقودها الشبّان ياللفجيعه 
والشيخ مزهوٍ بكبر العمامه
     ومكانته عند المخبّل رفيعه
والى فحصت الشيخ ما من علامه
   والى حكى بانت نوايا دنيعه
والى سمعته جاك نو الجهامه
    وان سلْت عنّه قُلْ : سرابٍ بقيعه

الأربعاء، 21 فبراير 2007

رثاء "مصطفى عبدالحي كمال"

مرحوم يا رجل فجعْنا فراقه 
  يا ولْد ابوي اللي لك الطّيب عنوان 
يا خوي يا ساتر عيوب الرّفاقة 
والى بدى موجب تحمّل بليهان (١) 
والى ظهر بين الرّفاقة حماقة 
   أطفى سعايرها بصبرٍ وإيمان 
أنا اشهد انه كان ضافي نطاقه 
 عزٍ لنا بين الجماعه والأخوان
ينزلْك إله العرش واسع رواقه 
ويسكنْك في ظلٍ ظليلٍ وريحان 


(١) بليهان: الجمل الذي يحتمل الحمال الثّقال 
٤ / ٢ / ١٤٢٨ 

الأربعاء، 14 فبراير 2007

بي عنْك

بي عنْك .. وتبقى سالمٍ يابو مروانْ"1" 
                        يا صابرٍ ما كنّك اونست هنّه 


صبرت للّي قدّره والي الشّانْ 
                       ولا شكيت ولا بدتْ منك ونّه


حمدت ربّك كل ما سال شفْقانْ 
                  ورضيت بالمقسوم من غير منّه 


حملت همّك ما درى عنّه انسانْ 
                        شكواك لله والمحاني طونّه 


ليت المرض بي وانت يا خوي سلْمانْ 
                       أشيل عنْك من البلا ما تكنّه 


الله يجيرك من صواديف الازمانْ
                    ويبقيك ذخر لمن بقلبه محنّه 


وتظْهر لخلّانك سعيدٍ وفرحانْ 
                  وتهب من شوفك ذعاذيع .....
  

الهامش:


"1" ابو مروان : شقيقي "مصطفى عبدالحي كمال"


٢٦ محرم ١٤٢٨ هـ

الجمعة، 26 يناير 2007

يا مبْدع القيفان

يا مبْدع القيفان من غير نقصانْ
  عبّرت عن مكنون نفْسٍ نبيله
صُغْت القوافي صوغ مُلْهمْ وفنّانْ
وجمّلْت لحنك بالمعاني الجزيله
صوّرت به نبضٍ لخلْجات الإنسانْ
وترجمْت عمّا بالضّمير وْدخيله
زان الشٍّعر لفظٍ ومعْنَى وبنْيانْ
واشْعلْت في مشْكاة سَرْجه فتيله
وطلال(١) لَى هلّ الشّعرْ جاه طوْعانْ
  يرسمْ طيوفه بالمعاني الجميله
وفاح الشّذَى وردٍ وفلٍ وريحانْ 
       وتفتّحتْ أكمامها بالخميله
الله يجيب لدعْوتكْ ياابْن جازانْ
    ويْقبلْك يوم ينْكرْ خليلٍ خليله
ويحفْظك من شرّ الأناسيّ والجانْ
   ويجعلْك ذخْرٍ للأهلْ والقبيله


 الهامش:

(١) طلال هو الاخ الزميل طلال بن حسين البكري عضو مجلس الشورى.
٧ / محرم / ١٤٢٨هـ