ماذا تبغي منطقة عسير بإصدار صحيفة من أبها؟ هل الصحف التي تصدر حالياً لاتكفي كماً?  أم  هي  رغبة أن يكون لمنطقة عسيرصوت معبّر بين الصحف السيارة في المملكة؟.. أجزم بأنه ليس هذا ولا ذاك. فعسير بطلعتها الشاعرية، وطلتها السياحية لاتحتاج إلى صحيفة تصدر من قاعدتها وتشيد بطلعتها، وتفتخر بطلتها.
وتعبّر عن مشاعرها، عسير تزيّنت للوطن كل الوطن، وتجمّلت للوطن كل الوطن وافتخرت بالوطن كل الوطن..
عسير منطقة تميّزت بمناخ جميل، وامتازت بطبيعة رائقة رائعة، وتفرّدت بالامتياز منذ أن جاءها الفارس الذي يقول :
ما احب المركز التالي     **      الأول آموت واحيا به
جاء الفارس إلى عسير وبشاعريته أطرى جمالها، وداعب مشاعرها، تخيّر لها من النجوم قلائد، ومن الساهرات فرائد، فأسفرت عن فتنة، وسفرت عن محاسن، وأبانت عن سحر، وتكشّفت عن روائع، أهدت إليه جيداً نافراً، وثدياً ناهداً، وأهدت إليه السحائب والمزون، وأهدى لها شعراً جميلاً سارت به الركبان، وعطاءً أشاد به الغريب وزها به القريب، جاء الفارس إلى عسير فإذا كل شيء يحتاج إلى جهد غير يسير،وقف أمام تضاريسها صامتاً في تفكير، ساهماً في تدبير...
كانت البدايات صعبة، وسارت عجلة التنمية، تدفعها قيادة راشدة، فامتدت شريانات الحياة بين قراها (( تصافح كل قرية أختها بيد من طريق، ورعشة من كهرباء))(١)، ولم تقف تضاريس المنطقة صعبة أمام عزيمة الرجال ، فَشَقّتْ في الجبال أنفاقاً ، وفي الوديان جسوراً ، فاتصلت قراها ، وتواصلت مدنها ، وأنيرت بالكهرباء منازلها وطرقها ، وامتدت أنابيب تحلية المياه المالحة ، لتسقي المواطن ماءً نميراً، وكانت الدولة سخية كعادتها في البذل ، كريمة كعادتها في العطاء ، فإذا الأحلام المستحيلة تصبح واقعاً متجسداً ، جعل من عسير درة المصائف ، وعروساً بين الوصائف ، تختال بمنجزاتها، وتفخر بعطاء دولتها ، وتفاخر باهتمام قادتها .. عطاء لا تحدّه حدود، واهتمام لا يقتصر على موقع ، بل للوطن وللمواطن في كل أرجاء الوطن الكبير .. كل هذا والفارس يحلق في أحلامه ، ويجسّدها في أفعاله ، فإن تحقق إنجاز لعسير فرح واستبشر،  فعاش في أبها لأبهى ، وتفاعل وفعل ليصبح كل شيء في عسير يسيراً ، وتحققت بإذن الله آماله، وتجسدت بتوفيق الله طموحاته ، فكانت كلماته الصادقة المعبرة  : ( لا أبهى من أبها.. ولا عسير في  عسير).
ماذا يبغي خالد الفيصل ؟ وماذا يريد؟ أبعد هذا الإنجاز والإعجاز يطمع في شيء ويطمح إلى شيء؟ إن تحقق من مشروعات كبيرة في عسير هو مكسب للوطن وللمواطن. كل الوطن ، والمواطن كل مواطن، بهذا يقول خالد الفيصل ، وبهذا يعبّر، وما أنا هنا إلا حاكٍ ، لي سيئات النقل إن اسأت فيه ، ولسموه حسنات الناقل إن أحسنت .. ماذا يريد خالد الفيصل؟ يريد أن يكون العطاء متميزاً والجهد ممتازاً، يريد أن يسمعنا أن قيادتنا (( قيادة آمنت بربها، وأخلصت لشعبها، تستلهم الخُطى من وحي عقيدتها، وتخشى ربها في رعيّتها، خططت فأبدعت ، وبذلت فأغدقت ، ودفعت بكل الإمكانات من أجل تنمية الإنسان وكان هذا الإنجاز الإعجاز كماً وكيفاً وزمنآ تلاحماً للخير وبالخير بين القادة والمواطن))(٢)..
والإنسان في منطقة عسير سريع التأقلم ، يتأثر بلمسة ، ويتألق بلفته ، ويندفع بحماس، فيه مخزون كبير من الوفاء والولاء ، تغدق محبته وتنهمر عواطفه كما سماؤه ، إذا اُعطي ((بضم أوله)) الإهتمام شكر وأعطى المحبة ، وإذا أُعطي (( بضم أوله)) المحبة وهب نفسه وماله ، هذا المواطن أصبح كأميره يحلم ويعمل ، وينجز فيتقن ، ويجتهد فيحسن ، تعوّد النظام فانتظم وترتّب ، فانسجمت خطواته مع تخطيطاته ، وتوازنت جهوده مع اجتهاداته ، فكان عمله منظماً ،وتنفيذه منتظماً ، وأداؤه متقناً..
وهاهي جريدة ((الوطن)) تحطّ رحالها في منطقة عسير ، بعد طول ترقّب وانتظار، وهاهي الخطوات العملية تبدأ لإصدارها، وستكون إن شاءالله كشقيقاتها صحيفة ملتزمة بالقيم، متدرّعة بالأخلاق ، تحمل فكراً ، وتنشر ثقافة ، وتدعم رأياً صالحاً ، ستكون جريدة ((الوطن))-كإسمها- للوطن كل الوطن ، وستأتي إن شاءالله لتثري الساحة وتعيد ترتيب الأوراق فتدفع بحماسها شقيقاتها قبساً من المضاء والإرتقاء ، ولقد قلت من قبل أن جريدة (( الوطن )) لم تأت لتنافِس ( بكسر الفاء) ولكنها أتت لتُنَافَس (بفتح الفاء) جاءت جريدة( الوطن) وهي على ثقة من أنها ستحرك الساحة الصحفية تطويراً وتحسيناً سواء في تقنية الطباعة، أو طريقة الإخراج، أو أسلوب التحرير وعمق المشاركة ، ولهذا فهي أي جريدة (( الوطن )) ستبحث عما يميّزها ، ستبحث وتنتقي الأصلح قبل الصالح ، والأفضل قبل الفاضل، فلا يتخيّل متخيّل أنها ستؤثر أبناء منطقة عسير ، أو يستأثر بها أبناء منطقة عسير....
فالإنسان في عسير يؤثر ولا يستأثر، ويحافظ ولا يحتفظ، أعطى الوطن روحه، وبذل للوطن حياته، وكانت هناءته في عطائه ، ومسرّته في بذله، ويفتخر الإنسان في عسير ويفاخر أن الجريدة التي تحمل إسم ((الوطن)) ستصدر من منطقته، ويصر أن تكون في مستوى الوطن المعطاء ، وجديرة أن تحمل إسم الوطن الغالي سيد الأوطان وأقدسها، ويكفيه فخراً أنها أي جريدة((الوطن)) ستكون بتوفيق الله رائدة ، في طباعتها وإخراجها وفي طرحها وتناولها، وهي جديرة بذلك، تدعمها رعاية واعية، وفكرٌ خلاق، وطموح واستشراف نحو الأفضل والأحسن، وهذه الرعاية الواعية تتطلع إلى شيء مختلف ، وتعمل لتحقيق شيء مختلف ، وإلاّ فلم يكن من داعٍ لإصدار جريدة جديدة، في وقت ارتفعت فيه أصوات كثيرة تنادي بدمج بعضها ببعض.. ومن كان في شك من تميّز جريدة ((الوطن)) فالموعد قريب إن شاءالله.
هوامش
(١)مابين قوسين وردت نصاً في كلمة سمو الامير خالد الفيصل إبّان زيارة سموه ولي العهد لمنطقة عسير.
(٢)مابين قوسين استعير نصاً من كتيب عسير وحلم المستقبل، الذي يظهر فيه أسلوب الأمير خالد الفيصل والدليل عناوينه مثل (( من ذبالة الفانوس الى كهرباء الالات والتروس)) . ((سلة الغذاء والسعي للاكتفاء))،((عزيمة الرجال تصنع المحال))،((الأصالة والتجديد في المدن والإعمارالجديد)) الخ الخ الخ. 
جريدة عكاظ العدد ١١٦٠٤ الستة والاربعون بتاريخ 5/2/1419 هـ  الموافق  30/5/1998م